الاسلاميات

السيرة النبوية فى ضوء القران والسنة ج14 بقلم الشيخ موسى الهلالى

احجز مساحتك الاعلانية

الخليل ابراهيم عليه السّلام
أرى لزاما عليّ قبل أن أذكر كيف نبعت زمزم ومتى بني البيت الحرام ومن بناه؟ ورؤيا الخليل في ذبح ابنه وحيده وبكره: إسماعيل، أن أذكر كلمة عن خليل الرحمن، وأبي الأنبياء صلّى الله عليه وسلّم.
هو نبي الله إبراهيم بن ازر «1» ، بن ناحور، بن ساروغ، بن راعو، بن فالغ، بن عابر، بن شالح، بن أرفخشذ، بن سام، بن نوح، عليه السلام «2» .
وكان عمر (ازر) أو (تارخ) خمسا وسبعين سنة لما ولد له إبراهيم، وكان له أخوان: (ناحور) و (هاران) وكان إبراهيم هو الأوسط، و (هاران) هو أبو (لوط) عليه السلام- وكان مولد الخليل إبراهيم بأرض الكلدانيين بالعراق، وهي بابل وما جاورها، وهذا هو الصحيح المشهور عند أهل السير، والتواريخ، والأخبار.
ولما كبر إبراهيم تزوج السيدة سارة، ابنة عمه «3» ، ثم خرج (ازر) ومعه

ابنه إبراهيم، وزوجته سارة، وابن أخيه (لوط) بن (هاران) من أرض الكلدانيين، إلى أرض الكنعانيين، فنزلوا (حرّان) وكان أهل حرّان يعبدون الكواكب والأصنام، وكذلك كان أهل بابل (كلدانيا) ، ولما نبىء الخليل وبعثه الله إلى قومه دعاهم إلى التوحيد وعبادة الله واحده، ونبذ عبادة الكواكب والأصنام، وكان حريصا على هداية أبيه إلا أنه لم يستجب إليه، وناظر أباه، وناظرهم، وقرع باطلهم بالحجة والبرهان، وقد قص القران الكريم ذلك باستفاضة «1» .
وبحرّان مات (تارخ) أو (ازر) أبو إبراهيم عليه السلام وله مائتان وخمسون عاما، وفي نفس إبراهيم أسى ولوعة على عدم إيمانه، وقد تعرض الخليل بسبب دعوته إلى الله، وتكسيره أصنام القوم إلى الإيذاء والبلاء، حتى انتهى به الأمر إلى الإلقاء في النار، ولكن كل ذلك لم يثنه عن الدعوة إلى ربه وتبليغ شريعته.

هجرة الخليل إلى بلاد الشام
ثم هاجر الخليل إبراهيم إلى الأرض المباركة أرض الشام، ومعه زوجته السيدة سارة، وابن أخيه (لوط) ، وكانت امرأة الخليل عاقرا، ولم يكن له من الولد أحد، ثم وهبه الله بعد ذلك الأولاد الصالحين، وجعل في ذريته النبوة والكتاب، خلعة من الله، وكرامة له حينما ترك بلاده وأهله وأقرباءه، وهاجر إلى الله حيث يتمكن من عبادة ربه، ودعوة الخلق إليها، وقام بتبليغ رسالته في بلاد الشام، أما ابن أخيه (لوط) فقد أرسله الله إلى أهل (سدوم) «2» .
رحلة الخليل إلى مصر
ثم ارتحل الخليل ومعه زوجه إلى مصر، وكان بها ملك جبار ظالم لا يمر به رجل ومعه زوجته، إلا اغتصبها منه وقتله، فلما راهما عيون الملك قالوا له: إن ههنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه، وسأله عنها فقال: من هذه؟ قال: أختي، ثم أتى الخليل سارة، فقال: يا سارة ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني، فأخبرته أنك أختي، فلا تكذّبيني، فأرسل إليها، فلما دخلت عليه ذهب يتناولها بيده، فأخذ، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، ثم تناولها الثانية فأخذ مثلها أو أشد، فقال: ادعي الله لي ولا أضرك، فدعت فأطلق، فدعا بعض حجبته، فقال: إنكم لم تأتوني بإنسان، وإنما أتيتموني بشيطان!! فقال: ارجعوها إلى إبراهيم، وأخدمها هاجر، فأتته وهو قائم يصلي، فأومأ بيده: مهيم- يعني ما الخبر- فقالت: «ردّ الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره، وأخدم هاجر» «1» .
وفي مسند الإمام أحمد أنها لما دخلت عليه دعت قائلة: «اللهم إن كنت تعلم أني امنت بك وبرسلك، وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تسلط عليّ هذا الكافر» . وقد عصمها الله وصانها لعصمة عبده، ورسوله، وحبيبه، وخليله إبراهيم- عليه السلام- وتقبلا لدعائها ودعائه، فقد لجأ الخليل وقت ذهب بها إلى الجبار- إلى الصلاة، وإلى الدعاء: أن يرد الله كيد هذا الذي أراد أهله بسوء، ومن هذا نرى أن الصلاة كانت- ولا زالت- ملاذا يلجأ إليها المكروبون والمهمومون.

استيلاد الخليل هاجر
ثم رجع الخليل- عليه السلام- وزوجه سارة من بلاد مصر إلى بلاد الشام، ومعهما أنعام وعبيد ومال جزيل، ومعهما هاجر القبطية المصرية، فأقام بها نحو عشرين سنة، وكانت نفسه- عليه السلام- تتوق إلى الولد، حتى سأل الله ذرية طيبة، فبشره الله بغلام حليم، والله سبحانه إذا أراد شيئا مما يجري بين
الناس هيأ له الأسباب، فألهم سارة، فقالت لإبراهيم: إن الرب قد أحرمني الولد، فادخل على أمتي هذه لعل الله يرزقك منها ولدا فلما وهبتها له دخل بها إبراهيم- عليه السلام- فحملت منه، ثم وضعت إسماعيل- عليه السلام- وقد ولد ولإبراهيم الخليل ست وثمانون سنة، وبعد ذلك بشرت الملائكة سارة بإسحاق نبيا من الصالحين؛ فولدته بعد العقم، وعلى الكبر، ولإبراهيم نحو من مائة سنة، فبين ولادة إسماعيل وإسحاق ما يقرب من أربعة عشر عاما.
ومن ذرية إسماعيل كانت العرب العدنانية على اختلاف قبائلها وبطونها، ومن سلالته من الأنبياء خاتمهم، وواسطة عقدهم، ونبي العرب والعجم:
سيدنا محمد بن عبد الله القرشي الهاشمي صلّى الله عليه وسلّم.
الهوامش
(1) في القران الكريم (ازر) وفي كتب أهل الكتاب (تارخ) والمعتمد عندي ما في القران، وقد حاول بعض العلماء التوفيق بينهما، فقيل إن ازر لقب له، وتارخ اسمه، وقيل: لعل له اسمين: ازر وتارخ، فإن صح شيء من هذين فلا يكون هناك خلاف بين القران والتوراة.
(2) البداية والنهاية، ج 1 ص 139.
(3) البعض يقول: إنها ابنة أخيه (هاران) ، وأن شريعتهم كانت تجيز هذا، وهو غير صحيح، والصحيح: أنها ابنة عمه، ونربأ بأبي الأنبياء أن يتزوج ابنة أخيه، وإنما هذه
– من الأخبار الإسرائيلية المكذوبة، قال ابن كثير: ومن زعم أنها ابنة أخيه هاران- كما حكاه السهيلي عن العتيبي والنقاش- فقد أبعد النجعة، وقال بلا علم، ومن ادعى أن تزوج ابنة الأخ كان إذ ذاك مشروعا فليس له على ذلك دليل، ولو فرض أن هذا كان مشروعا في وقت- كما هو منقول عن الربانيين من اليهود- فإن الأنبياء لا تتعاطاه (البداية والنهاية، ج 2 ص 150) .
(1) انظر سورة مريم 41- 48؛ وسورة الأنبياء 51- 71.
(2) سدوم: بلد من بلاد الشام وقيل إنها بالذال المعجمة كما في القاموس.
(1) صحيح البخاري- كتاب الأنبياء- باب «واتخذ الله إبراهيم خليلا» .

Related Articles

Back to top button